من الخفاء الى العلن: العلاقات السعودية الصهيونية وآفاقها.

من الخفاء الى العلن: العلاقات السعودية الصهيونية وآفاقها.

  • من الخفاء الى العلن: العلاقات السعودية الصهيونية وآفاقها.

اخرى قبل 7 شهر

من الخفاء الى العلن: العلاقات السعودية الصهيونية وآفاقها.

د.إبراهيم العربي

تولّى الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في المملكة العربية السعودية في 23 يناير 2015 وفي  21 يونيو 2017، أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز أمرًا ملكيّا - بعد إعفاء الأمير محمد بن نايف من منصبه (وقبله إعفاء الأمير مقرن)– يقضي باختيار محمد بن سلمان وليًا للعهد وتعيينه نائبًا لرئيس مجلس الوزراء مع استمراره وزيرًا للدفاع منذ العام 2015م.  وكان محمد بن سلمان قد اختير لولاية العهد بأغلبية أعضاء هيئة البيعة، بعد أن عُرِضَ القرار عليهم، بأن نال 31 صوتًا من أصل 34 صوتًا، وهي أعلى نسبة تصويت تشهدها هيئة البيعة منذ إنشائها كما تقول المصادر السعودية.

وفي ظل انقضاء عهد الأخوة الكبار أبناء المؤسس عبدالعزيز وتسلمهم للحكم في السعودية يظهر الأمير الشاب بحلّة جديدة مختلفة كليًا، ذات عقلية بدوية تنافسية، وكما يظهر بفكر منفتح على جميع الصُعُد السياسية والاقتصادية حتى والدينية والترفيهية التي حولت السعودية عن مسارها المتحفظ أو المتشدد دينيًا الى ذاك المنفتح والرحب بشكل مثير، بل والمقلق للبعض الآخر.

في إطار التبني للقضايا العربية وعلى رأسها قضية فلسطين أظهرت المواقف السعودية –ما تحت الطاولة الى أن كشفها الأمير وتصريحات عشقي والامير بندر بن سلطان قبله- تراجعًا حادًا وتملصًا واضحًا بالتدريج من القضية الفلسطينية (التبرؤ الفعلي من مبادرة الملك عبدالله/المبادرة العربية عام 2002م) الى الحد الأدني، وفي نفس الإطار وتجاوزًا له تم التمهيد لبناء علاقات أوثق مع الولايات المتحدة الامريكية من جهة، وعبرها وبعلاقات مباشرة مع الاحتلال الصهيوني لتحقيق (الفوائد المشتركة بين البلدين)!.

لذلك وحسب المصادر فإن مدّ أيادي العلاقات مع الإسرائيليين لم تكن جديدة، ولكنها كانت قد توقفت لفترة لتعود ثانية وبقوة أكبر مع صعود الأمير الشاب (مواليد 31/8/1985م) وبشكل مثير للجدل حيث التصريحات واسعة الانفتاح على العلاقات مع الإسرائيلي والتمجيد لها والإشادة بها على حساب تقليص الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وكما حصل من الشتائم المقذعة والاتهامات التي رافقت "اتفاقيات ترامب-ابراهام" التتبيعية، مع دول الخليج واتصالات محمد بن سلمان لدفع الرئيس الفلسطيني للانخراط في اتفاقيات تصفية القضية الفلسطينية وحينها كانت (لا) الكبيرة الفلسطينية التي أدت من حينها لقطع المساعدات السعودية المالية وتخفيض سقف العلاقات السعودية الفلسطينية حتى اليوم.

من الواضح أن عقلية القيادة السعودية الجديدة ترى أن امامها 3 قضايا ذات أولوية لتأتي فلسطين في ذيل الأولويات فقط للتزيين ولمحاولة شد الوجه بجراحة بلاستيكية أمام العالم الإسلامي والعربي نظرًا للموقع الديني للملكة، الموجود دون إرادة أحد.

في حين ترى المملكة بقيادة أميرها الحاكم الفعلي للسعودية أن اتفاق حماية أمريكي (معاهدة دفاع) كما الحال بين كوريا واليابان وأمريكا هو الأولوية لها، فإن ذلك يتكامل في عقل القيادة الجديدة مع امتلاكها السلاح النووي في مقابل السلاح النووي الإيراني-الخطر الأول كما تراه وتنظّر ضده رغم الاتفاق مؤخرًا، وليس في مقابل ذاك الصهيوني القريب جدًا.

يحاول الأمير مقايضة قدرة بلاد الجزيرة العربية النفطية، وشراء السلاح من أمريكا والتلويح بأنه من أكبر المشترين له مقابل أو برغبة الدفع لانخراطه بالاتفاق الأمني السعودي-الامريكي (الحماية)، والتطبيع مع الصهيوني للحفاظ على استقرار الحكم الى الأبد كما يأمل.

أما ثانيًا فإن الإزدهار الاقتصادي وما عبّر عنه ولي العهد بفخر مؤخرا (20/9/2023) بما أسماه قصة النجاح في القرن 21 (السعودية هي قصة هذا القرن كما قال) يمثل الأولوية الأولى أوالثانية.

فيما تمثل العلاقة الصهيونية-السعودية التتبيعية ضمن الأولويات الثلاثة الأولى، لارتباط التقدم بالبندين الأولين بها حسب المطلب الصهيو-الأمريكي والتوافق عليه كما هو واضح وجليّ.

بناء على كل ما سبق تكون القضية الفلسطينية هامشية وتزيينية وفات أوانها!.

ومما يذكر بوضوح أن العلاقات الأمنية الصهيونية السعودية تصاعدت مع المحتلين الإسرائيليين وبقيادة الأمير بندر بن سلطان-رئيس الاستخبارات السابق، وأنورعشقي  منذ العام 2015  (تميّز مدير المخابرات السعودي الأسبق كمال أدهم المتوفي عام 1999م-مستشار الملك فيصل، بعلاقات أقدم من هؤلاء) الى أن صعد نجم محمد بن سلمان ليتلقف الكرة، ويعلن بوضوح إبان وجوده في أمريكا عام 2018م اعترافة ب"إسرائيل" التي سماها الحليفة!؟ ثم ليوضح تبرّمه شديد اللهجة من فلسطين وقضيتها وتصرفات قادتها، وهو الأمر الذي شكل حينها صدمة (إيجابية) للمسيحيين-المتصهينين ولليهود الأمريكان حين انتقد القيادة الفلسطينية بعنف ووصفها بالمتذمرة، واتهمها بإعاقة السلام!!

لقد قال الأمير متبرمًا من فلسطين وقادتها: (على الفلسطينيين صنع السلام أو فليصمتوا، ويكفوا عن التذمر)! واعتبرتها صحافته منذاك أنها قضية قديمة قد بال عليها الزمن! وخاصة فيما كتبه كتّاب صحيفة الشرق الأوسط السعودية، خاصة إبان توقيع المهرولين ل"اتفاقيات ابراهام-ترامب" (عام 2020م) التي دعمها السعوديون بقوة خارقة، ولم ينخرطوا بها كدولة رسميًا.

لم يكتفِ الأمير بإدانة القضية الفلسطينية والقيادة "لرفضها فرص لصنع السلام مع الإسرائيليين لعقود"! كما قال، بل وقام بتبرئة الصهاينة من أي عدوان على فلسطين! وكأن ما فعلوه وما يفعلونه يوميًا في فلسطين منذ النكبة واحتلال فلسطين عام 1948، بل ولنقل منذ تدمير الصهاينة لاتفاق أوسلو عام 2002 (نفس زمن مبادرة الملك السعودي عبدالله، إبان حصار الرئيس ياسر عرفات في رام الله) من قتل وإجرام وإرهاب وانتهاب للأرض وعنصرية ضد كل العرب عز نظيرها بالعالم مجرد شريط (فلم) اجنبي خيالي!؟

صرح محمد بن سلمان بجرأة عزّ نظيرها وذلك في في مقابلة أجراها  للمجلة الأميركية "أتلانتيك مغازين" في آذار 2022، أن "السعودية لا تعتبر "إسرائيل" عدوا، بل حليفا لها، حيث تجمع الدولتين مصالح مشتركة".!!

وعليه تكون فلسطين قد سقطت كليًا من الأجندة السعودية الجديدة، فإن كانت القيادة الفلسطينية هي المعطّلة للسلام ومتذمرة وملامة، والصهاينة حلفاء أصدقاء مبرئين من كل ذنب! فلم يعد ما يمكن أن يقال بتاتًا عن الحائط العربي والتماسك من حول القضية الفلسطينية.

اليوم وبعد اللقاء الواضح من قبل الأمير مع قناة فوكس نيوز(20/9/2023) فإنه يعلن أولوياته التي طالما أشار لها، دون مواربة وهي ما ذكرناه (اقتصاد وأمن وحماية، تطبيع/تتبيع) ولكنه يتكلم ليؤكد أن المباحثات لبناء العلاقات (التطبيعية-التتبيعية) مع الإسرائيلي لا ولن تتوقف بتاتًا!

خاصة والمغازلات والتمهيدات الكثيرة كانت على مدى الأعوام  الماضية قد ظهرت منذ أن اعترف ولي العهد السعودي بحق "إسرائيل" في الوجود مشيدًا بآفاق علاقات دبلوماسية مستقبلية بين المملكة والدولة الصهيونية كما أشارت المصادر عام 2018م.

وبالطبع ما تم لاحقًا من خلال تمتين التواصل الأمني والتعاون السياسي-الاقتصادي، ومن ثم السماح لدخول الصحفيين الإسرائيليين للمملكة، والسماح للطيران الإسرائيلي بالمرور عبر الأجواء العربية السعودية بحرية، وغضّ النظر عن وصول البضائع الإسرائيلية والشركات الصهيونية للمملكة...الخ من أعمال فعلية مختلفة عوضًا عن اللقاءات الكثيرة خاصة على صعيد بناء "التحالف" الامني والاقتصادي.

اليوم يتم قطع الشك باليقين حول العلاقات السرية القائمة والمثابرة! وحول آفاق التتبيع، فيصرح الملك السعودي القادم قائلًا:

أن المملكة "تحقق تقدماً" باتجاه التطبيع مع "إسرائيل".

وأن "المفاوضات تجري بشكل جيد حتى الآن".

ويقول "نأمل أن تؤدي إلى نتيجة تجعل الحياة أسهل للفلسطينيين!؟ وتسمح ل"إسرائيل" بأن تلعب دوراً في الشرق الأوسط".!؟

حيث غاب ذكر فكرة حقوق العرب والعرب الفلسطينيين التاريخية أوالقانونية غير القابلة للتصرف، أو حقهم بتقرير المصير، أو اشتراط تحرير دولتهم على المتاح من الأرض المعترف بها عضو مراقب عالميًا من الاحتلال، كما غاب كليًا إية إدانة لتواصل العدوان الصهيوني الإرهابي اليومي...الخ. وكأن القضية الفلسطينية قد تحولت لأكل وشرب فقط فيما هو مطلوب "تسهيلات" دلالة التفلت الكامل من أعباء فلسطين.

وبصيغة مصدر آخر عن تعليق المفاوضات بشأن العلاقة السعودية مع "إسرائيل"، انتفض الأمير محمد بن سلمان وقال بقوة إن ذلك «غير صحيح... وهي كل يوم تتقدم، وسنرى إلى أين ستصل»!

إن المملكة العربية السعودية  بقيادتها الجديدة وبعد أن بدأت تتحلل كليًا من المِسحة العربية وتلك الإسلامية الجامعة، واضعة مصالحها الاقتصادية المتغيرة فوق كل شيء، وباعترافها بالصهيوني حليفًا نصًا، وبالعربي والفلسطيني هامشيًا، فإنها مقبلة على انعطافة هائلة بل على انقلاب حقيقي بالقريب العاجل قد يدفن القضية الفلسطينية الى الأبد.

وقد يشكل هذا الانقلاب بالمقابل حافزًا للنضال الوطني العربي والإسلامي والفلسطيني، لأن يفهم دوره وحقيقة المطلوب منه ومن مجمل الأمة الباهتة اللاهية الواهنة لمواجهة الاندثار وتسيّد الصهيو-أمريكي على كامل المنطقة لا سيما والمتغيرات العالمية الداهمة (بروز قوى عملاقة جديدة) لن تكون في صالح هذا التسيّد، ولأن فلسطين العربية والعربية الإسلامية وتحريرأرضها لن يوقفها اندفاع أي أحد كان شخص أو نظام أو أنظمة تحت قدم الصهيوني مهما طال الزمن.

إن فلسطين المقدسة ارتبطت بوعد الله المتحقق قريبًا، كما ارتبطت بقداسة أرض الشام التي منها فلسطين وشعبها المرابط حتى التحرير كما أشار الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكل غير ذلك زائل، وسيدخل الثوارالمظلومون، والمناضلون "المسجد كما دخلوه أول مرة" ويرفعون علم النصر علم الأمة علم فلسطين .

 

 

د.إبراهيم العربي

 

 

 

 

التعليقات على خبر: من الخفاء الى العلن: العلاقات السعودية الصهيونية وآفاقها.

حمل التطبيق الأن